يميل المسافرون المهتمون بالعافية إلى إنفاق مبالغ أكبر على الفنادق وزيارتها أكثر والإقامة فيها لفترات أطول مقارنةً بالمسافرين العاديين، ما يساهم بالتالي في تحقيق نسب إشغال أكثر استقرارًا وتحسين الربحية.
بات المستهلك يتخذ قرارته بما يتماشى مع عافيته، لا سيّما وفي ظل انتشار بعض العوامل مثل شيخوخة السكان والأزمات البيئية والتغيرات في نمط الحياة، وعليه، فقد شهد قطاع العافية نموًا سريعًا، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل نمو سنوي يتجاوز نسبة 10%، لتتضاعف قيمته إلى 1.97 تريليون دولار أميركي بحلول العام 2031.
تولّد العقارات المعنية بالعافية ونمط الحياة، على الرغم من ارتفاع تكاليف تطويرها، علاوات أسعار مبيعات كبيرة تتراوح ما بين 10.0% و30.0%، وذلك بفضل تصورات المجتمع للعافية ونمط الحياة.
رأس الخيمة، الإمارات العربية المتحدة -: كشفت شركة ستيرلينغ لاستشارات الضيافة، إحدى المؤسسات الاستشارية الرائدة في المنطقة، النقاب عن الاتجاهات الرئيسية التي تؤدي دورًا في رسم ملامح قطاع سياحة العافية في دول الخليج. فعلى مدار عقود من الزمن، استمتع المسافرون بجلسات التدليك واليوجا وسط مرافق المنتجعات التقليدية. إلّا أنّ ذلك قد تغيّر مع تفشي الجائحة، فباتت العافية ضرورةً وأولويةً بالنسبة إلى الكثيرين. وفي إطار مساعي قطاع العافية الآيلة للاستجابة لمطالب المستهلكين المتزايدة، أصبحت العافية “الوقائية ” هي محط الإهتمام والتركيز بعد أن كانت العافية “الترفيهية” ، ما أكسب العافية التكاملية والطبية زخمًا قويًا على مستوى العالم. وعليه، شرع عدد كبير من الوجهات، إلى جانب العلامات الفندقية الرائدة، في تقديم علاجات صحية شاملة ومتقدمة تعزز صحة الجسد والعقل والروح وتحافظ على جمالها، وذلك على أمل أن تنال ولو القليل من الأرباح التي يدرّها القطاع والبالغة قيمتها تريليونات الدولارات.
وفي هذا السياق، أوضحت تاتيانا فيلير، المديرة الإدارية لدى شركة ستيرلينغ لاستشارات الضيافة قائلةً: “في ظلّ ما تنهله العلامات الفندقية الرائدة من مكاسب كبيرة جراء تلبيتها لاحتياجات المسافرين المهتمين بالعافية، فإنّها لن تتوانَ عن السعي وراء سوق سياحة العافية، لا سيّما وأنّ هذه السوق تحقّق زيادةً كبيرةً في الربحية وإيرادات الغرف المتوافرة مقارنةً بالفنادق / المنتجعات الفاخرة التقليدية. ومع ذلك، ليست عروض العافية هذه في غالبيتها سوى واجهة تقدّمها هذه العلامات تحت لواء العافية، وذلك بحكم أنّ عملها الرئيسي يتمثّل في بيع الغرف الفندقية”.
وتكثر الوجهات المختلفة التي تقدم خدمات العافية ضمن القطاع. فنجد من بينها منتجعات السبا النهارية (مثل كودالي وسبا باي كلارينز)، والمنتجعات التقليدية / المنتجعات الفندقية (مثل فور سيسونز وذا ريتز كارلتون) التي تقدم خدمات الترفيه / الاستجمام القياسية بصفتها جزءًا من الخدمات التي يحصل عليها المقيمون، كما ومنتجعات السبا في الوجهات (مثل سكس سينسز وكومو) التي تقدم حزم عافية شاملةً أكثر من غيرها. وعلى مستوى أكثر تقدمًا، نجد المنتجعات الصحية المتكاملة (مثل شيفا – سوم وكانيون رانش) التي تقدم عروضًا علاجيةً أوسع تشمل تقنيات متقدمة وخبراء متخصصين، فضلًا عن منتجعات العافية الصحية (مثل عيادة شا ويلنس كلينك وكلينيك لا برايري) التي تعمل بدوام كامل تحت الإشراف المباشر من اختصاصيي الرعاية الصحية المرخصين، والتي قد تقدّم أيضًا علاجات باضعة طفيفة.
مؤشرات أداء سياحة العافية
على مدار عقد من الزمن، نمت سياحة العافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمتوسط سنوي ملحوظ بلغ 13.3%. ومع ذلك، لا تزال تمثل سوى نسبة 1% من إجمالي الرحلات وتولد نسبة 2% من إجمالي عائدات سياحة العافية على مستوى العالم.
وعلى مستوى الشرق الأوسط، تمثل المنتجعات الفندقية / المنتجعات التقليدية نسبة 39.7% من إجمالي إيرادات السوق، إلّا أنّها من المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.5% بحلول العام 2025.
تكتسب العافية الطبية زخمًا على مستوى العالم، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 15.1% بحلول العام 2025، أي بمعدل 1.2 مرة أسرع من المنتجعات الصحية في الفنادق ومعدل 1.3 مرة أسرع من المنتجعات الصحية اليومية.
عادةً ما ينفق المسافرون الدوليون المهتمون بالعافية ما يزيد عن 50% مقارنةً بمتوسط ما ينفقه المسافرون الدوليون العاديون، في حين يحظى المسافرون المحليون برفاهية مضاعفة.
الإمكانات غير المستغَلة
في مقابلة أجرتها شركة ستيرلينغ مع إنجو شويدر، الرئيسة التنفيذية لشركة جوكو هوسبيتاليتي، قالت إنجو: “تفتقر دول الخليج حتى يومنا هذا إلى منتجع عافية صحي مخصص، ما يدفع العملاء من المنطقة إلى زيارة الشرق الأقصى طلبًا لخدمات العافية، فيقصدون تايلاند والهند بالدرجة الأولى، وإندونيسيا واليابان على نحو أقل. وفي الفترة ما بين الربيع والخريف، يتردّد العملاء من دول الخليج إلى مراكز العافية الرئيسية في أوروبا، تحديدًا في ألمانيا وسويسرا والنمسا والمملكة المتحدة وفرنسا، ويمثلون بذلك نسبة 8 إلى 15% من إجمالي عدد الضيوف. ومع ذلك، نعمل حاليًا على إنشاء 7 مشاريع مخصصة معنية بالعافية، وذلك في المملكة العربية السعودية وحدها. وتشمل هذه المشاريع أمالا، ونيوم، والبحر الأحمر. ونتوقع كذلك أن نوسع نطاق مشاريعنا قريبًا إلى الإمارات العربية المتحدة وما بعدها، آملين أن تغير هذه المشاريع من واقع العافية في المنطقة”. وليس من الخفي ما تحوزه الشعبية المتزايدة لمنتجعات العافية الصحية من إمكانات غير مستغَلة في المنطقة، لذلك، فإنه حري بالمستثمرين إعادة النظر في هذه الإمكانات وكيفية الاستفادة منها.
وكان منتجع زلال الصحي التابع لعلامة شيفا سوم قد افتتح أبوابه في قطر في العام 2022، ليصبح بذلك أول منتجع صحي متكامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما والواجهة الأولى للعافية في العالم تجمع ما بين الطب العربي التقليدي والطب الإسلامي في نهج صحي شامل. وفي ما سبق الافتتاح، كان منتجع سيكس سينسز زيغي باي في عمان – وهو عبارة عن منتجع سبا – أشبه ببرنامج صحي متكامل يركّز على مفهوم العافية المريحة ويقدم تجربة صحية شاملة عامة غير مقيدة أو متخصصة كسائر التجارب التي تقدمها المنتجعات الصحية الأخرى حول العالم. وفي المتوسط، تولّد منتجعات السبا، من حزم العافية الشاملة، ما بين 20 و30% فقط من إجمالي إيرادات الغرف. في المقابل، تولّد منتجعات العافية التكاملية والطبية إيرادات الغرف من خلال حزم الجلسات / العلاجات التي تقدمها بصفتها جزءًا من مرافق العافية.
كذلك، كشفت البحوث التي أجرتها شركة ستيرلينغ أنّ فروقًا رئيسيةً شتى تكمن ما بين المنتجعات الصحية التكاملية / الطبية العالمية والمنتجعات الفاخرة التقليدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فعدا عن الاختلافات الواضحة في عروض برامج العافية والخبرات، تختلف هذه المنتجعات من حيث شمولية البنية التحتية المعنية بالعافية. بمعنى آخر، تضم منتجعات العافية التكاملية / الطبية غرفة علاج واحدة لكل 3 غرف للنزلاء ومرافق صحية أكبر بمعدل مرتَين ونصف في المتوسط، في حين تضم المنتجعات الفاخرة التقليدية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غرفة علاج واحدة لكل 20 غرفة للضيوف مع مخزون غرف أكبر وخيارات طعام ومشروبات أكثر تنوعًا. وتشير هذه الاختلافات إلى أنّ هذه المنتجعات الفاخرة تركز على بيع الغرف وتوفر تجربة ترفيه أو استجمام بدلًا من رحلة تتمحور حول العافية.
الاستدامة تلتقي بالعافية
تدمج المنتجعات الصحية الغامرة أيضًا الاستدامة في جميع قيمها الأساسية. ففي العام الماضي، حصلت عيادة شا ويلنس كلينك على شهادة جرين جلوب للاستدامة، وذلك عن قيم الاستدامة الأساسية التي تطبقها في صلب عملياتها. ويشكل احترام البيئة إحدى القيم التأسيسية للعيادة التي ما برحت تعمل به منذ تشييد مبناها الذي تم تكييفه مع نوع الأرض الذي شُيّد عليه لتقليل أثره على البيئة.
وقال كريستوفر فورد، رئيس إدارة الأصول في شركة البحر الأحمر الدولية السعودية: “بات قطاع العافية اليوم واحدًا من أسرع القطاعات نموًا في سوق سفر الفاخر، إذ كشفت البحوث التي أجريناها على جمهورنا المستهدف أنّ نسبة 75% من المسافرين بغرض الرفاهية يطلبون إجازات تلبي احتياجاتهم إلى الرفاهية العامة وتنطوي على أنشطة ممتعة في الوقت عينه. وعليه، عزمنا على إبرام شراكات مع علامات رائدة في مجال العافية، مثل كلينيك لا برايري وجاياسوم، وذلك سعيًا منا إلى منح ضيوفنا برامج حيوية وعلاجات متقدمة في مجال الصحة والعافية”. على نحو آخر، سيقع كلا المنتجعين في قلب مشروع أمالا، المشروع الضخم في المملكة العربية السعودية الممتد على طول البحر الأحمر والذي يركز على العافية. ويعمل مشروع أمالا بالطاقة المتجددة بنسبة 100%، وبمجرّد تشغيله بالكامل، لن ينبعثَ منه الكربون، ولن يرميَ نفاياته في المكبات.
تمثّل المنتجعات الصحية التكاملية والطبية حاليًا الاتجاه الأسرع نموًا في قطاع العافية من دون أن تتغير حالها في العقد القادم. وانطلاقًا من أنّ العمل في مجال الأعمال يتطلب تخطيطًا دقيقًا لضمان بيئة آمنة، وفعالة من الناحية التشغيلية، وتسعى إلى تحقيق النتائج، نوصي بشدة بتعيين مستشار ذي خبرة لتوجيه المالكين والمشغلين لضمان نجاح المشروع. وفي هذا الصدد، اختتم إيرني ويجايا، مدير الأصول لدى شركة ستيرلينغ المقابلة، بقوله: “على الرغم من أنّ معظم منتجعات العافية الطبية والتكاملية تجذب اليوم ضيوفًا من الطبقة الثرية، نرى أنّ الوباء قد شجع المعنيين على التحول مستقبلًا نحو اعتماد أسواق جديدة ميسورة التكلفة. في الواقع، تثق ستيرلينغ تمام الثقة في أنّ تأسيس مؤسسات معنية بالعافية تأسيسًا صحيحًا وسليمًا يحقّق قيمةً كبيرةً وفوائدَ كثيرةً لجميع أصحاب المصلحة المعنيين، انطلاقًا من المالكين والعملاء والموظفين والمجتمع، وصولًا إلى الوجهة والبيئة والعالم بأسره”.