قد يكون السفر المتجدد هو الكلمة الرائجة حول العالم هذه الأيام، ولكن في اليابان، لطالما أُعتُبِرَ السفر المتجدد أمراً بديهياً بل وطبيعياً. لا يخفى على الكثيرين مدى الاهتمام والاحترام الفائق الذي توليه اليابان واليابانيون للطبيعة والسفر المستدام في جميع أنحاء البلاد؛ وهذا ليس بهدف الحفاظ على الطبيعة فحسب بل وحفاظاً على التقاليد والثقافة المحلية، التي تضمن للزائر تجارب سفر غنية ومتجذرة في الأصالة. من زيارة ورش عمل الحرفيين المتوارثين مهنتهم عبر الأجيال إلى تجارب الطبيعة الساحرة، سيكون لدى زوار اليابان العديد من الطرق المبتكرة لإحداث تأثير إيجابي وخلق ذكريات لا تُنسى في ذات الوقت.

في تناغم مع دببة اليابان السوداء الرائعة في كارويزاوا

الانسجام كفكرة، جزء لا يتجزأ من الثقافة اليابانية، وهي لا تدعم الانسجام بين البشر فقط، بل بين البشر والطبيعة أيضاً. في اليابان، الطبيعة هي شيء يمكن التعايش معه، شيء يجب احترامه وليس قهره. تمتد هذه الفلسفة إلى الشعور بالاحترام والتقدير للعالم الطبيعي وللنباتات والحيوانات التي تسكنه. يمكن للمسافر اختبار ذلك والإحساس به عند المشاركة في الجولات التعريفية التي ينظمها مركز بيتشيو للأبحاث الحياة البرية في مدينة كارويزاوا بهدف الحفاظ على الطبيعة وتعزيز ارتباط البشر بها.

هناك، يمكن للزوار قضاء وقت قيم وممتع في مراقبة الدببة السوداء الآسيوية المراوغة واللطيفة أيضاً. يقود مركز بيتشيو للأبحاث الحياة البرية برامج الحفاظ على الدببة منذ العام 1998 وتوفر جولات الحياة البرية تجربة لا تنسى تغمر المشاركين بمشاعر الراحة والسكينة والانبهار ببعض من أجمل المناظر الطبيعية في اليابان، في حين يكتسب المشاركون في ذات الوقت، فهمًا أعمق لأهمية الدببة السوداء في نظامنا البيئي وكيفية التعايش معا بسلام دون أن تكون حاجة للمواجهة أو الصدام معها.

دائما ما تبدأ الجولات هذه بحصة تعريفية يقدمها المركز للمشاركين، تليها جولة دراسية ميدانية حيث يمكن للمشاركين تتبع الدببة البرية عبر إشارات نطاق الراديو الخاصة بالدببة. الكثير ممن شاركوا في الجولات كانوا محظوظين إذ تمكنوا من رؤية الدببة عن قرب، حيث يقوم فريق من الكلاب المدربة بمرافقة المشاركين في هذه الجولة. وتعتبر هذه الكلاب أعضاء مهمة في فريق دعم البحث وخبراء التتبع في المركز. تمثل هذه الجولة طريقة رائعة لاكتساب فهم أعمق عن البيئات الطبيعية في اليابان ودعم جهود المركز النبيلة والرائدة.

تناولوا المأكولات البحرية الطازجة مع غواصات “آمّا” واستمعوا لحكايات “أهل البحر”

لأجيال مضت، شقت نساء البحر طريقهن بين الأمواج بحثًا عن أجود أنواع المحار والأعشاب البحرية. يعرفن بنساء “آمّا” وتعني بالعربية نساء المحيط. العديد منهن من كبار السن وذوات الخبرة. تستمر رحلات الغوص الشاقة لأيام في المياه الباردة، حيث يقمن نساء “أمّا” بتدفئة أنفسهم عن طريق إشعال النيران في أكواخ خشبية لأخذ قسط من الراحة وتبادل الأحاديث قبل الخروج في رحلة غوص جديدة في اليوم التالي. في حديقة إيسي شيما الوطنية الواقعة في مقاطعة ميه، يمكنكم الانضمام إلى بعض النساء الغواصات اللاتي ما زلن يزاولن هذه المهنة إلى يومنا هذا ويمكنكم الجلوس في الأكواخ العتيقة التي كانت ولا تزال شاهداً على قصص ومغامرات كثيرة حول التقاليد المحلية ورحلات الغوص.

ستكتشفون عن قرب كيف يحافظن نساء “أمَا” على البيئة البحرية عبر الالتزام بالممارسات البيئية الدقيقة. كما وستتاح للمشاركين في هذه التجربة أيضًا فرصة الاستمتاع بتناول وجبة أصيلة معدة من المأكولات البحرية الطازجة التي يتم اصطيادها مباشرة من المياه المحيطة بحديقة إيسي شيما. إنها تجربة مثالية للاستمتاع بجو حميمي في بيئة طبيعية ساحرة سواء كنتم بمفردكم أو قمتم بحجز المكان لمجموعة كبيرة من المرافقين.

انضموا إلى سيد صناعة الإنديجو من الجيل الخامس عشر واصبغوا أقمشتكم هناك

يعد التزام اليابان بالحفاظ على التقاليد والحرف التقليدية أحد الأشياء غير القليلة التي تجعل من السفر في البلاد تجربة استثنائية بحق. في بلدة القلعة التاريخية جوجو هاتشيمان في مدينة غيفو، يمكن للزوار الانضمام إلى خبير صباغة الإنديجو من الجيل الخامس عشر للتعرف على الحرفة التقليدية لصنع القماش النيلي المعروف بـ (جابان بلو). يستخدم بيت الصباغة واتانابي منذ أكثر من 400 عام صبغات طبيعية لصنع قماش الإنديجو المحبوب والمعروف بخصائصه المضادة للحشرات والبكتيريا. هنا يتعلم الزوار تقنيات الصباغة ويتاح لهم أيضاً فرصة صبغ أقمشتهم بالطريقة التقليدية في مصبغة كونيا وهي آخر مصبغة من نوعها في منطقة غوشو هاشيمان.

كان كازويوشي واتانابي وعائلته يخمرون أوراق نبات الإنديجو مع الغسول والجير الحي، ثم يشطفون الأقمشة المصبوغة في الممر المائي المحفوظ جيدًا لعدة قرون في المدينة. يمكن للزوار تجربة صبغ القماش بأنفسهم بنمط من اختيارهم، وممارسة تقنيات مثل الربط والضغط واللف وإضافة التدرجات اللونية أيضاً. بمجرد شطف القماش وتجفيفه يصبح جاهزاً وبمقدور الزائر أخذه كهدية تذكارية لا تُنسى.

تلتقي الطبيعة بالمدينة في فندق غودنيتشر في كيوتو

قد لا يبدو فندق غودنيتشر في كيوتو من الخارج غارقًا في الطبيعة، ولكن بمجرد دخولكم إلى الفندق، سيبدو الأمر مختلفًا تمامًا. تتمحور هوية الفندق حول الاستدامة؛ من التشغيل باستخدام الطاقة المتجددة إلى تنفيذ تكنولوجيا توفير الطاقة، واستخدام المناشف القطنية العضوية بنسبة 100٪، والتعاون مع المنتجين المحليين في المطعم ومراكز الأطعمة الجاهزة، وأنظمة الإضاءة اليومية في غرف الضيوف بالإضافة إلى تركيب أكبر جدران بيئية خضراء لفناء داخلي في اليابان.

يعد الفندق أيضاً وجهة لعشاق الطعام حيث يضم العديد من المطاعم والمقاهي في الموقع بما في ذلك مطعمان حائزان على نجمة ميشلان، ومطعم فيلروسير ذو النجمتين للمأكولات الصينية المبتكرة “العابر للحدود”، ومطعم تاكاياما الحائز على نجمة واحدة حيث يجلس الضيوف حول مطبخ مفتوح لتناول العشاء على أطباق أعدت بمفهوم “الراحة + الإثارة = السعادة”. وفي مطعم هيسوب المسمى على اسم عشبة تعني النقاء، يتم تقديم مجموعة متنوعة من الأطباق المحببة والممتعة من الناحية الجمالية مستوحاة من ثقافات الطعام الشعبية حول العالم، بما في ذلك الاختيارات النباتية والطعام الحلال.

ولأنها كيوتو، فمن الطبيعي أن تحتضن الغرف هنا لمسة فنية متأصلة ومنسجمة أيما انسجام مع الطبيعة. تتميز الغرف هنا بلوحات أزهار الكرز وأشجار الصنوبر وهي للرسام الياباني ياسونوري فوكوي، مصنوعة من دهانات محلية الصنع مشتقة من عناصر طبيعية مثل الأتربة والأحجار. سيشعر نزلاء هذا المكان بمتعة العيش في ركز حضري مثير مع إحساس عميق بالعناصر الطبيعية والتزام أصيل بالاستدامة البيئية.

 

Share.

Comments are closed.